المقالات

شيءٌ من الشوق:

شيءٌ من الشوق:

“كان صلى الله عليه وسلم أفصح خَلق الله، وأعذبهم كلامًا، وأسرعهم أداءً، وأحلاهم منطقًا، حتى إنَّ كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه.

وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مُبين يعدُّه العاد، ليس بهذٍّ مسرع لا يُحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصْلٍ يحفظه من جلس إليه».

وكان كثيرًا ما يُعيد الكلام ثلاثا ليُعقل عنه، وكان إذا سلَّم سلَّم ثلاثًا.

وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فصل لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عُرف في وجهه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشا ولا صخابا.

وكان جل ضحكه التبسم، بل كله التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه”.

وكان يضحك مما يُضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر.

زاد المعاد لابن القيم، ج: 1، ص: 175.